كيف يمكن لمواطن بسيط أن يكشف أسرار تعجز عن معرفتها المخابرات نفسها ؟

نضال و الأطلال




كان يوما ممطرا,السماء ملبّدة بغيوم رماديّة كثيفة تزيد من حلكة ظّلام الّليل الدّامس,الشوارع فارغة شبه مقفرة,بعض القطط تروح و تجيء هنا و هناك في حركة عشوائية تماما مثل الرّجل الذي طردته زوجته من المنزل لسبب سخيف لعله شكّها في خيانته لها أو العكس لأن السيدة الفاضلة لم تعدّ العشاء المفضّل لغلطة عمرها...
مرّت سنين و سنين على المواطن البسيط "نضال" الذي ما لبث أن تقاعد ليواصل حياته التعيسة في أحياء الشّارع الشّعبيّ أين يكثر الصّخب و العراك و الجدال الأبديّ في المواضيع التافهة.
كان يتلذّذ كلّ ليلة بكوب من الشّاي في المقهى, ودفئ هذا الطّقس البارد يكمن في جلسة برفقة الأصدقاء و الحديث عن أيام الشّباب الخوالي متى كانت الصّحة و الجمال و الشّوق لاستكشاف العالم حصريا ,عبر الدّراسة فالسفر حول العالم كان  شبه مستحيل لهؤلاء البسطاء,لكنّ الأسرار  التي كانت تخفيها تلك الأزقة كانت عديدة لعلّ أهمّها قصص الغرام البريء العذريّ الذي اندثر كما يندثر الشّباب بسرعة البرق ...
انقضت ساعات طويلة من السّمر رفقة الأخلّاء لكنّ المتعة لم تنقضي,أو لعلّ نهايتها واجب,فأمثال 'نضال'  لا يعرفون السّعادة إلا لساعات قليلة.
انتهت السّهرة و عاد كلّ نفر لمنزله لكنّ 'نضال' أراد المزيد فجعل ختام الليلة جولة في الحديقة المجاورة للمقهى,رغم برودة الطّقس, إلا أن هذه الجولة ضرورية فهي إحساس لأول مرة بالحرية المطلقة منذ سنّ العشرين,وفي هذا السّياق عادت به الذّاكرة لمشاهد أزليّة كونيّة من الطفولة لسنّ المراهقة و  ذكريات إزعاج الجيران و الجارات الى سنّ الشباب و المشاركة في المظاهرات و ذلك الصّراخ الذي يدوي الأذان و  تهتزّ له الأرض.
لقد انتهى كلّ ذلك لقد مرّت السّاعات و الأيام و الأشهر و أخيرا السّنين و انتهت معها المغامرات,ليبدأ سنّ العجز و ترقب الموت القريب.


                                                                      يُتبع

تعليقات